ما الذي تريد السعودية أن تقوله من المهرجان الذي نظمه بالامس سفيرها في بيروت وليد البخاري في قصر الاونيسكو، في الذكرى ال33 على توقيع اتفاق الطائف؟ عدا عن الاحتفال المبكر بخروج أحد أهم أعداء ذلك الاتفاق من السلطة، تاركاً خلفه فراغاً رئاسياً وحكومياً، لا يمكن إنكار مسؤولية الرياض عنه..ولا يمكن التكهن بأنها قررت فعلا أن تعتبر ذلك الخروج فرصة سياسية جديدة للبنان، حيث يتصارع المرشحون للرئاسة والحكومة بحدة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب الاهلية، على كسب الود السعودي، غير المعروف من أي منهم.

لم تكن مغادرة الرئيس السابق ميشال عون الرئاسة تستحق هذا الجمع الذي يدرك أن اتفاق الطائف اليوم، غير مهدد، وغير مؤهل للتنفيذ أو التعديل. فالرجل الذي وصل الى الرئاسة تحت سقف دستور الطائف، وخاض طوال ست سنوات رئاسية، وقبلها 28 سنة، معركة سياسية مفتوحة، وعلنية، مع ذلك الاتفاق وموقعيه ومؤيديه، باءت بالفشل الذريع، لكنها كانت سلاحه الابرز دائماً لفرز نفسه عن “الطبقة السياسية التقليدية” التي انتجته، والتي لا يزال يسِمها بانها الاكثر فساداً على الاطلاق. انتهى عون، وبقيت تلك الطبقة، وما زال الاتفاق الموقع في السعودية، ساري المفعول، بتعثر، ربما يعزى الى غياب اللجنة الثلاثية العربية، (السعودية، والمغرب والجزائر) التي كان يفترض ان تتابع تنفيذه، حسبما ألمح مبعوث تلك اللجنة الاخضر الابراهيمي، في كلمته المقتضبة في الاونيسكو.

لا يسهم المهرجان في سد فراغ الرئاسة ولا فراغ الحكومة، وهما الأكثر إلحاحاً في لبنان والأشد خطراً على أوضاعه السياسية والامنية والمعيشية، بما يفرض الحاجة، ربما، الى لجنة عربية جديدة، ثلاثية أو أكثر، تستأنف ما توقف قبل 33 عاماً، مع أن أحداً من الحضور في قصر الاونيسكو، سواء على المسرح أو في الكواليس، لم يشر الى هذا الاحتمال. فالجميع كان يتعامل مع المهرجان بإعتباره حدثاً سعودياً، يهدف الى إحياء الذكرى البعيدة، وإعلان زوال التهديد العوني المبالغ به أصلاً، وترميم البيئة السنّية اللبنانية، التي تعيش مخاضاً سياسياً صعباً.. مركزه الرياض نفسها، مع التسليم المسبق بأن أزمة لبنان الراهنة، لا يمكن ان تحال فقط الى ضياع السنة، وغياب مناصريهم العرب. ثمة تمرد شيعي، وتفكك ماروني، يمكن ان ينسبا الى الطائف نفسه، لكنهما قابلان للاحتواء، طالما ان الشيعة كانوا وما زالوا من أكثر المستفيدين من الطائف، وطالما أن الموارنة يعيدون اكتشاف عروبتهم، لدحر التوسع الايراني في لبنان.

والأغرب من ذلك، أن ينظر الى المؤتمر، بوصفه أداة من أدوات مواجهة إيران في لبنان، وهو ما يعني نسيان تجربة سوريا التي صادرت اتفاق الطائف، فور إستقبالها اللجنة الثلاثية العربية، ولاحقت الموقعين عليه واحداً تلو الاخر، ثم ترجمته الى عقد لبناني مختلف تماماً عما نص عليه.. وهو ما لا تستطيعه إيران، مهما اعتمدت على “فائض قوتها” اللبنانية، التي كان الطائف ولا يزال غطاؤها الشرعي الأهم، ومهما بالغت في تضخيم إختراقاتها العربية، التي ثبت هزالها أو الاقل تضاؤلها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، حتى قبل ان تنفجر الثورة الانثوية الايرانية الباهرة.

الانطباع الذي يتركه مهرجان الاونيسكو، هو أنه لم يؤسس لدور سعودي جديد، وهو ما سيعمق الفراغ الرئاسي والحكومي، بدل ان يخفف منه، لأنه ليس لدى الرياض كما يبدو ، ما تقترحه للمرحلة المقبلة، أو تتقاسمه أو تتشاور حوله مع عرب آخرين، بعدما وصلت شراكتها الاخيرة مع فرنسا الى طريق مسدود، وبعدما ساءت علاقاتها مع أميركا الى حد يستحيل معه التفاهم بينهما على أي شأن لبناني او عربي أو حتى دولي.. وبعدما عجز المرشحون اللبنانيون للرئاسة والحكومة عن تلقي إشارة واضحة، عما تضمره السعودية، وبعدما أخفق السنة اللبنانيون في تبين ما تنويه في المرحلة المقبلة.

حتى الهمس عن تشكيل لجنة متابعة لنتائج المهرجان، لم يثبت دقته. وهو مثله مثل الحديث المكرر والمعاد طوال 33 عاماً عن ضرورة تنفيذ ما لم ينفذ من الطائف، أو تعديل ما يحتاج الى تعديل من مواده، ليس مناسباً ولا واقعياً ، في فترة شغور الرئاستين، وفي فترة تحلل الدولة ومؤسساتها أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الاهلية. قضية تكوين، أو إعادة تكوين السلطة في لبنان ليست مسألة أولوية سياسية، بل هي قضية حياة أو موت بالنسبة الى اللبنانيين.. لا تحتمل الاستنتاج بأن الفراغ اللبناني مديد.

المدن