شكل التطبيع العربي مع النظام السوري والزلزال الذي ضرب تركيا في شباط (فبراير) أهم أحداث عام 2023 حيث دعي الأسد إلى القمة العربية والقمة المشتركة لجامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي.
رحلة التطبيع العربي بدأت عبر بوابة الأردن منذ فرض التسوية الأمريكية الروسية في جنوب سوريا صيف عام 2018 وجاءت عبر العامل الاقتصادي، فما أن مضت أيام على تطبيق الاتفاق حتى أعلن وزير الخارجية أيمن الصفدي عن رغبة بلاده بفتح معبر نصيب الحدودي. إلا أن فتح طريق الترانزيت الشهير الذي يربط تركيا وسوريا ولبنان بالخليج العربي من خلال الأردن افتتح جزئيا وتأخر العمل الفعلي به بسبب جائحة كورونا والعقوبات الأمريكية على النظام السوري، لاحقا وجدت مصر والأردن ولبنان قضية تمرير الغاز من مصر إلى لبنان المنهار اقتصاديا فرصة للطلب من واشنطن تخفيف عقوباتها على دمشق والسماح بنقل الغاز عبر خط التعاون العربي الذي انشأ قبل ما يزيد عن 20 عاما. وتوصلت الأطراف إلى فتح معبر نصيب-جابر البري في أيلول (سبتمبر) وكان بمثابة متنفس اقتصادي لسكان شمال الأردن، إلا أن مخابرات النظام اعتقلت عددا من المواطنين الأردنيين في دمشق ودرعا وهو ما تسبب بتراجع حركة السفر.
ومهدت زيارة وفد من البرلمانيين العرب تزعمه رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، إضافة إلى رؤساء مجلس النواب في الأردن وفلسطين وليبيا ومصر وضمت الزيارة التي حصلت بعد انتهاء دورة الاتحاد البرلماني العربي في بغداد نهاية شهر شباط (فبراير) أيضا كل من رئيسي وفد سلطنة عُمان ولبنان، واعتبر رئيس المجلس النواب المصري حنفي الجبالي أن «هذه الزيارة هي لدعم سوريا قيادة وحكومة وشعبا» موضحا أن «سوريا ستعود إلى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية».
تطورت الحركة العربية الدبلوماسية باتجاه النظام مع إعلان تونس فتح سفارتها في دمشق وردت حكومة النظام بالمثل في نيسان (ابريل) الماضي.
في حين شكلت زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان إلى دمشق صدمة كبيرة لدى عموم السوريين معارضة وموالاة، وهي الأولى بعد بدء الاحتجاجات الشعبية ضد الأسد والقطيعة التي استمرت ما يزيد عن 12 سنة وجاءت الزيارة في إطار مساعي المملكة لإعادة الأسد إلى مقعد جامعة الدول العربية، إلا أن الرغبة السعودية اصطدمت بتحفظ مصري وقطري لكن القرار مر لاحقا دون اعتراض من أي دولة وكان الاعتراض كفيلا ببقاء الأسد خارج الجامعة.
ونظر البعض إلى تغير في موقف النظام ورغبته باستعادة العلاقات مع جيرانه العرب، وشن الطيران الحربي الأردني غارة على مواقع تجار المخدرات بريف السويداء الشرقي، في اليوم التالي من إقرار عودته وهو ما أعطى انطباعا أن النظام غير من سلوكه ويرغب في التعاون مع الأردن للقضاء على تجار المخدرات والكبتاغون، رغم ان أغلب مصنعي الكبتاغون ومروجيه يعملون لصالح المخابرات العسكرية والفرقة الرابعة. وأدى القصف إلى مقتل تاجر المخدرات وعائلته المكونة من زوجته و6 أطفال. وقد ورطت أجهزة الاستخبارت السورية الجيش الأردني خلال العملية بقتل أطفال ومدنيين، وكانت رسالة النظام واضحة بأنه ليس الوحيد الذي يقتل المدنيين.
الزلزال وتداعياته
على المستوى الإنساني، وفي خطوة غير متوقعة، استغل الأسد تداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا ووصلت ارتداداته إلى سوريا ولبنان وأعلن تمديد تفويض الآلية الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود مدة ستة أشهر إضافية، في تموز (يوليو) الماضي. وهو بمثابة تجديد للقرار الذي توصل إليه مجلس الأمن في كانون الثاني (يناير) 2022 حيث يتلقى 4.1 مليون نازح في الشمال السوري المساعدات الأممية.
انتفاضة عشائرية
في شرق سوريا، تستمر تداعيات إقالة واعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري، العقيد أحمد الخبيل أبو خولة وقادة آخرين من قبل قوات سوريا الديمقراطية «قسد». وأدت الحادثة إلى انتفاضة عشائرية كبيرة في شرق الفرات تزعمها شيخ قبيلة العكيدات ابراهيم الهفل في عقل مشيخ القبيلة في قرية ذيبان حيث قاد تمردا عسكريا ضد «قسد» قبل أن ينتقل إلى الضفة اليمنى لنهر الفرات وهي المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، حيث يشرف على تنسيق الهجمات من هناك بدعم من أبناء القبيلة والأجهزة الأمنية وقيادة الحرس الثوري الإيراني. ووجدت إيران الفرصة سانحة لزيادة تواجدها في منطقة النشاط الأمريكي. وتحاول قوات الأخيرة بذل جهد إضافي لمنع تسلل المقاتلين وإرسال الشحن العسكرية عبر النهر بواسطة العوامات محلية الصنع، وتراقب مجرى النهر بشكل مستمر بالطائرات المسيرة تزامنا مع صعوبة ضبط عمليات التهريب والتسلل برا بسبب حصول الكثير من الاختراقات في مناطق الحراسة الممتدة لعشرات الكيلو مترات.
الهجوم على الكلية الحربية
في الأوضاع الأمنية، يعتبر الهجوم على الكلية الحربية بحمص في تشرين الأول (أكتوبر) أثناء حفل تخريج دورة جديدة من الضباط العاملين، أكبر حدث أمني يضرب مناطق سيطرة النظام على الإطلاق منذ خسائره في معركة تحرير إدلب التي أطلقتها المعارضة عام 2015. وتسبب الهجوم بمقتل نحو 90 شخصا من بينهم 31 امرأة وخمسة أطفال في حين قدر المرصد السوري لحقوق الإنسان احتمال ارتفاع عدد القتلى إلى نحو 120 بين عسكريين ومدنيين. وقال إعلام النظام السوري ان الهجوم حصل بواسطة طائرات مسيرة قال شهود عيان انها كانت في الأجواء معتقدين انها طائرات إيرانية وفي اليوم التالي خلال التشييع شوهدت طائرة في سماء المستشفى العسكري جرى إسقاطها دون نشر صورها أو معرفة مصدرها.
عسكريا، تتعرض القواعد الأمريكية في سوريا والعراق إلى هجمات مستمرة دون توقف منذ بدء العملية العسكرية البرية الإسرائيلية في غزة، حيث تتبنى «المقاومة الإسلامية في العراق» الهجمات على المصالح الأمريكية حيث زاد أعداد الهجمات عن 100 هجوم، وبدأت الميليشيات الإيرانية باستخدام الصواريخ الثقيلة البدائية من نوع فيل لضرب القواعد بعد ان كانت تستخدم الطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا.
أمنيا كذلك، تستمر المسيرات التركية باستهداف مواقع «قسد» في شمال شرق سوريا، معلنة بين الحين والآخر عن مسؤوليتها بقتل قادة في حزب العمال الكردستاني. وتشير تسريبات أمنية إلى أن شيروان حسن (روني ولات) قتل بعملية أمنية لجهاز المخابرات التركية وسربت المخابرات التركية صورة للقيادي مرتديا الزي العسكري التقليدي لحزب العمال ونشرت مواقع تركية أن روني كان يتنقل داخل تركيا عام 2011 و 2012.
في سياق منفصل، دخلت انتفاضة السويداء السلمية ضد النظام السوري شهرها الخامس، انطلقت في آب (أغسطس) إلى اليوم، وتشهد المدينة احتجاجا يوميا في مركز المحافظة وباقي البلدات، حيث تعيش المحافظة ذات الغالبية الدرزية غيابا لقوات النظام الذي سحب عددا كبيرا من حواجزه ومقراته وتراجع إلى المربع الأمني ومقر قيادة الشرطة.
على المستوى الإعلامي، قرر رجل الأعمال السوري غسان عبود إغلاق قناة اورينت في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) دون ذكر الأسباب، فعبود هو صحافي سوري عمل في التجارة ودخل نطاق رجال الأعمال العرب ضمن قائمة أغنى 100 شخصية عربية، وكان عبود قد أغلق المكتب الرئيسي في دبي عام 2020 ونقل العاملين فيها إلى مكتب اسطنبول، ومع نفي ان تكون الكلفة المالية هي السبب وراء إغلاقها يرجح أن يكون الطلب من دولة الإمارات في سياق تعزيز علاقاتها المستمرة بالأسد.
راحلون:
غيب الموت عددا كبيرا من الشخصيات السورية البارزة. وشكل موت الروائي والسيناريست خالد خليفة في أيلول (سبتمبر) صدمة كبيرة في أوساط عموم السوريين ويحظى خليفة بمحبة كبيرة من مختلف أطياف السوريين معارضين وموالين للنظام، حيث تمسك ببقائه في دمشق رغم الضغوط التي تعرض لها بداية الثورة. ونعى جمهور الثورة السورية الأكاديمية والسياسية المعارضة بسمة قضماني في آذار (مارس) بعد صراع طويل مع المرض.
ما زالت العقوبات الغربية والمذكرة الفرنسية الأخيرة تعيق التطبيع مع نظام بشار الأسد، خصوصا وانه لم يقدم تعاونا حقيقيا بما يتعلق بقضية وقف تصدير المخدرات أو إبعاد إيران عن الحدود الأردنية، على العكس يشير تصاعد التهريب والاشتباكات إلى أن الأمور تتوجه إلى التأزم مع الوقت.
القدس العربي
Be the first to write a comment.