عاد زخم المظاهرات السلمية لمدينة السويداء يوم الجمعة مع مظاهرة مركزية كبيرة في ساحة الكرامة وسط المدينة، حيث توافد المئات من أبناء القرى والبلدات التابعة لمحافظة السويداء إلى ساحة الكرامة، للمشاركة في مظاهرة سلمية تؤكد على استمرار الحراك المدني لأهالي المدينة، والمستمر منذ آب (أغسطس) من العام الماضي.

وردد المتظاهرون في الساحة هتافات حماسية تؤكد على مطالبهم السلمية، على الرغم من التعزيزات العسكرية التي دفع بها نظام الأسد منذ أكثر من أسبوع للمدينة، ومن هتافات المحتجين «يالسويدا على ضيمك لا تنامي» و «طب الفزيع ودقت طبول الحرب» و«الجيش مكانه على الحدود، لا لترهيب السويداء» كما رفع المتظاهرون لافتات تؤكد على وعيهم لعدم الانجرار للعنف الذي يسعى له نظام الأسد، وعلى تمسكهم بسلمية حراكهم، ومنها «بدأنا سلميين وسننتصر سلميين» و«نهج النظام الدموية، ونهجنا سلميتنا».

وكانت قوات النظام قد دفعت خلال الأسبوع الفائت بتعزيزات عسكرية من دمشق إلى مدينة السويداء، في إجراء هو الأول من نوعه منذ انطلاق الاحتجاجات في المدينة نهاية صيف العام الماضي، حيث وصلت عشرات الدبابات والسيارات رباعية الدفع مزودة برشاشات متوسطة إلى مطار خلخلة العسكري شمال السويداء. وحسب ما أوردته مؤسسة «إيتانا» البحثية السورية، فإن حجم قوات النظام المرسلة إلى السويداء يقدر بحوالي 1200 من قوات النظام في الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية والفرقة الرابعة، والميليشيا المساندة لها، كما أفادت مصادر محلية لـ «القدس العربي» بأن التعزيزات شملت مقاتلين من ميليشيا «فاطميون» الشيعية الأفغانية وميليشيا «زينبيون» الشيعية الباكستانية المواليتين لطهران إضافة لعناصر من ميليشيا «الحرس الثوري» التي يعتبر قوامها المقاتلون السوريون وتتمركز على الضفة اليمنى لنهر الفرات في شرق سوريا.

تعزيزات النظام العسكرية إلى السويداء، دفعت الفعاليات الدينية المتمثلة بالمرجعية الدينية للموحدين الدروز، والفعاليات الاجتماعية والسياسية في المدينة للتحرك وإجراء لقاءات ومشاورات فيما بينها، لتوحيد الموقف ومواجهة أي تصعيد عسكري محتمل يمكن أن يبدأه النظام ضد المدينة، ومن هذه اللقاءات النشطة، الثلاثاء الماضي، كانت زيارة قائد «حركة رجال الكرامة» أبو حسن يحيى الحجار لدار الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في قنوات، ولقاءه مع الشيخ حكمت الهجري، كما التقى الحجار زعيم آل هنيدي في دارة المجدل بريف السويداء الغربي، حيث تناول اللقاء المستجدات الأخيرة وتعزيزات النظام، وأكد الطرفان بعد اللقاء على «نهج أسلافهم» المتمثل بمقولة «نحرم التعدي منا، ونحرم التعدي علينا». وفي ذات السياق ضم اجتماع في دار عرى شيخي العقل حمود حناوي، ويوسف جربوع وقائد حركة رجال الكرامة وزعيم آل النعيم، بدعوة من الزعيم المحلي لؤي الأطرش «أبو شبلي» حيث أكد المجتمعون على بذلهم كل الجهود في سبيل منع التصعيد، مؤكدين على وحدة الصف والاستعداد لأي طارئ.

بموازاة ذلك، أعلنت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز عبر بيانٍ نشر على صفحتها الرسمية موقع باسم الشيخ الهجري، الإثنين الماضي، استمرارية الحراك السلمي، ورفض الرئاسة الروحية لأي محاولات لجر السويداء للعنف من خلال التعزيزات العسكرية التي دفع بها النظام مؤخرًا، وجاء في البيان «لكم تغنى الوطن بسلمية هذا الحراك الراقي المثابر، وألا بديل عن السلام فلن يستطيع أحد أن يقتل هذا السلام، لأن شكيمة أهل الحق أقوى من وهج الشمس. والتاريخ يشهد الكل في وطن واحد. وليعط كلٌّ ما عنده بإنسانية وأخلاق في سبيل الوطن دون ضغوط ولا قيود، دون إرهاب ولا ترهيب، دون استعراضات هزيلة ومكشوفة لا داخلية ولا خارجية».

وحذر الهجري من أي محاولات للتصعيد والترهيب، مؤكدًا على أن الحراك في السويداء بكافة مكوناته مستعد للدفاع عن الوطن والسلمية، حيث قال: «أهلنا، رجالنا وحرائرنا. وطنيون مسالمون، وعند اللزوم هم أهل للدفاع عن الوطن. عن السلم والكرامة والحق، في سبيل مستقبل أفضل، ونحن نحذر أي جهة كانت من أي تصعيد أو تحريك أو تخريب أو أذية مهما كان نوعها، ونحمل المسؤولية كاملة عن أي نتائج سلبية أو مؤذية هدّامة قد تترتب على أي حماقة أو تصرفات أو إجراءات مسيئة».

وفي ردود الفعل الدولية على التطورات الأخيرة في السويداء، أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في لقاء صحافي «دعم بلاده لحقوق السوريين في حرية التعبير والاحتجاج السلمي» كما حذر المتحدث باسم الاتحاد الاوروبي لويس بوينو في لقاء تلفزيوني، نظام الأسد من استخدام العنف والتصعيد، مشيرًا إلى ضرورة التعلم من الماضي.

المستجدات الأخيرة في السويداء، وتصعيد النظام بدفعه تعزيزات عسكرية للمحافظة، جاء على خلفية احتجاز فصائل محلية من السويداء لعدد من ضباط وعناصر أمن من قوات النظام، ردًا على اعتقال مخابرات النظام لطالب جامعي من السويداء يدرس في جامعة تشرين بمدينة اللاذقية في الساحل السوري، بتهمة «النيل من هيبة الدولة وتحقير رئيس الدولة» ومن ضمن الضباط المحتجزين رئيس فرع الهجرة والجوازات في السويداء العقيد منار محمود الذي أُطلق سراحه لاحقًا. وقالت مصادر محلية إن مجموعات أهلية من السويداء شاركت في احتجاز ضباط وعناصر أمن من قوات النظام وجيش التحرير الفلسطيني من خلال نصب نقاط تفتيش على طريق دمشق-السويداء، ردًا على استمرار مخابرات النظام باعتقال الطالب داني عبيد ورفضهم الإفراج عنه رغم الوساطات وإتباع ذويه كافة السبل القانونية المشروعة.

بموازاة ذلك أطلق آل عبيد سراح ثلاثة ضباط في 25 من الشهر الماضي كانوا قد احتجزوا لدى مجموعة محلية مقابل الإفراج عن ابنهم، بعد وساطات محلية ووعود بإطلاق سراح الطالب المعتقل بعد أيام، والضباط هم العميد الركن مازن قصاص والعميد محمود محمد والملازم ويس فارس.

كما أطلق «تجمع أحرار جبل العرب» الإثنين الماضي سراح ثلاثة عناصر من فرع أمن الدولة مع سيارتهم بعد وصول الطالب المعتقل داني عبيد للسويداء، كما أطلقت مجموعة محلية أخرى في ذات اليوم سراح العقيد محمد سليمان، كانت المجموعة قد احتجزته الخميس 25 من الشهر الماضي للغاية ذاتها.

أن تحشيدات النظام العسكرية والأمنية إلى مطار الثعلة والفرقة 15 ـ قوات خاصة المنتشرة غرب السويداء والتعزيزات إلى الأفرع الأمنية لا يبدو أنها أكثر من ضغط لإطلاق سراح ضباطه والعناصر الأمنيين على وجه التحديد باعتبار أن خطفهم ينال من هيبة القوى الأمنية في المنطقة الجنوبية ويجعلها في موضع ضعف شديد بوجه المتظاهرين.

كما أن النظام يحاول كسر معادلة «الخطف مقابل الاعتقال» حيث تقوم المجموعات الأهلية المسلحة بخطف الضباط وعناصر الأمن كلما جرى اعتقال أحد النشطاء السياسيين خارج المحافظة لإجباره على إطلاق سراح المعتقل، وتأتي التعزيزات بهدف فرض واقع أمني جديد، لكن بنفس الوقت لا يرجح أن يكون هذا الواقع واضح التأثير سريعا ومحسوسا في القريب العاجل.

القدس العربي