يستمر النظام السوري بإغلاق منطقة الـ 55 كم وحصار مخيم الركبان منذ 45 يوما وتمنع قوات النظام المنتشرة غرب المنطقة وشمالها دخول الطعام والشراب والأدوية إلى المخيم الذي يسكنه قرابة ثمانية آلاف مدني.

ويأتي الحصار بقرار رسمي من وزارة الدفاع السورية في نظام الأسد صادر عن هيئة العمليات حسب وثيقة اطلعت «القدس العربي» على مضمونها، صادرة في 1 نيسان (أبريل) 2024 وموجهة إلى «القادة والتشكيلات والقطعات المنتشرة في محيط منطقة الـ 55كم الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي والفصائل الإرهابية» حسب نص البرقية وهي الفرقة الأولى والفرقة 18 والثالثة إضافة إلى الفرع 221 (فرع البادية) في تدمر والذي يتبع إلى شعبة المخابرات العسكرية. وطالبت البرقية من المعنيين أعلاه «اتخاذ كافة التدابير للحراسة المشددة في كافة الأوقات على الحواجز ونقاط الانتشار ومنع دخول أي مركبات أو عربات تحمل مواد غذاية أو طبية بما في ذلك أعلاف الحيوانات لأي سبب كان» وأمرت القادة بـ «التقيد التام بتطبيق قواعد الاشتباك ضد أي محاولات تسلل من منطقة الـ 55كم وذلك بالتنسيق الدائم مع الصديق الروسي، الموجود في منطقة ظاظا» وهي القاعدة الروسية الموجودة خارج منطقة الـ 55 والتي تقوم بالتنسيق مع قوات «التحالف الدولي لمحاربة داعش» والقاعدة الأمريكية في التنف.

وشددت البرقية على طلب رئيس الأركان من كافة القادة «التقيد بما ورد بهذه البرقية تحت طائلة المسائلة القانونية».

وانعكس الحصار على الواقع الإنساني والخدمي في مخيم الركبان، حيث أعلن المجلس المحلي لمخيم الركبان الصحراوي عن استقالته بسبب الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعاني منها سكان المخيم، وجاء في بيان الاستقالة الموقع بيد رئيس المجلس محمد أحمد الدرباس «بناءً على مقتضيات المصلحة العامة في منطقة 55كم ومخيم الركبان، وتزامنًا مع التطورات الأخيرة في المنطقة التي كانت في بدايتها فرض حصار خانق على قاطني المخيم، وعدم استجابة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لمطالب أهالي المخيم، وبسبب الخلافات السياسية المحلية والإقليمية التي أدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية في المنطقة».

وأضاف البيان دعوة لتشكيل الهيئة السياسية للبادية السورية، وعلى أن تكون «مفتوحة لانتساب كافة المهتمين في الشأن السياسي في البادية السورية في مناطق نفوذ الجيش السوري الحر» معلنًا التزام المجلس المحلي المستقيل بأخلاق وقيم ومبادئ الثورة السورية في عمله.

وجاء على لسان رئيس المجلس في تصريح صحافي، ان الأزمة الإنسانية في المخيم لم يعد من الممكن تجاوزها وحلها من خلال دعوات ومناشدات تطلقها المجالس المحلية، باعتبار أن مشكلة المخيم هي مشكلة سياسية بين أطراف الصراع، وهذا ما يستلزم تأسيس كيان سياسي هو الهيئة السياسية للبادية السورية.

وأكد الدرباس على أن دور الهيئة السياسية المقترحة سيكون للتشاور والتواصل مع الأطراف الفاعلة ومنظمات الأمم المتحدة لإيجاد حل جذري لأزمة المخيم من خلال الاستقرار الآمن، أو فتح طريق لنقل النازحين في المخيم للشمال السوري الواقع تحت سيطرة الجيش الوطني.

وفي سياق متصل، طالب رئيس المجلس المنحل وعضو الهيئة السياسية في البادية السورية المشكلة يوم الجمعة، بفتح الطريق بشكل مستعجل وإدخال المساعدات الإنسانية مشيرا إلى «وجود أطفال رضع بلا حليب».

وحمل درباس في اتصال مع «القدس العربي» التحالف الدولي مسؤولية الضغط على روسيا والأمم المتحدة باعتبارها سلطة الأمر الواقع المسيطرة على المنطقة من أجل إدخال المساعدات بشكل عاجل وإدخال أطباء. وفي حال تعذر ذلك، لفت إلى «ضرورة فتح آمن لمنطقة شرق الفرات أو الشمال السوري بين ساتري الحدود السورية-العراقية إلى الشمال بحماية التحالف الدولي والأمم المتحدة، يضمن للأهالي نقل أرزاقهم وأثاث منازلهم». وحول سوء الواقع المعيشي ختم درباس «نحن مقبلون على مجاعة رسمية ولو فتح الطريق أمامنا دون تفاهمات دولية فإن النازحين سيخلون المنطقة خلال أسبوع».

ويقع مخيم الركبان على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، في منطقة أمنية أنشأها التحالف الدولي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وأسست واشنطن قاعدة عسكرية بالقرب منها بالقرب من معبر التنف الحدودي بين سوريا والعراق، وتفصل قوات النظام والميليشيا المساندة المخيم عن باقي المناطق غير الخاضعة لسيطرتها، وهذا ما يسهم بشكل رئيسي في معاناة النازحين داخل المخيم من أزمة غذائية حادة ناتجة عن قطع قوات النظام والميليشيا الإيرانية المساندة لطرق تهريب الغذاء للمخيم، وفرضها عليه حصارًا خانقًا منذ ما يزيد على 45 يوما، وفي ظل انعدام استجابة منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية.

مصادر محلية من داخل الركبان أفادت لـ «القدس العربي» أن أهالي المخيم نصبوا قاعدة اعتصام مفتوحة للسكان أمام قاعدة التنف العسكرية، للمطالبة بتدخل قوات التحالف لإنهاء الأزمة الإنسانية في المخيم، واحتجاجًا على الحصار المفروض من قبل قوات النظام والميليشيا الإيرانية.

بموازاة ذلك، زار قائد «التحالف الدولي لمحاربة داعش» جويل فاول، مخيم الركبان نهاية الأسبوع الفائت، والتقى بشخصيات من المجلس المحلي قبل استقالتهم، وبعدد من الأهالي في مستوصف شام الطبي داخل المخيم، حيث استمع لمناشدات ومطالب الأهالي بحل مستعجل ينهي معاناة السكان نتيجة الحصار المستمر منذ أكثر من 45 يومًا.

بدوره حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من كارثة صحية داخل المخيم نتيجة الحصار، مشيرًا إلى أنه منذ 16 أيار (مايو) من الشهر الجاري، ونتيجة الحصار المطبق على المخيم فإن عددا كبيرا من سكان المخيم وغالبيتهم من الأطفال بدأوا يعانون من مرض «اليرقان» فيما أكدت مصادر للمرصد إصابة نحو 100 شخص من سكان المخيم غالبيتهم من الأطفال وقد انتشر مؤخراً بشكل واسع لاسيما بين طلاب المدارس في ظل عدم وجود علاج له داخل المخيم بسبب نفاد معظم أنواع الأدوية بسبب الحصار المفروض على المخيم.

من جهة أخرى، ناشد الصحافي خالد العلي المقيم في مخيم الركبان السوريين من أجل العمل على فتح طريق للمدنيين باتجاه شمال أو شمال شرق سوريا، وأضاف في اتصال مع «القدس العربي» أن «المنطقة غير صالحة للحياة، نرى أطفالنا تموت أمام أعيننا بسبب الجوع والعطش وقلة الغذاء».

الجدير بالذكر أن قوات النظام منذ منتصف الشهر الماضي بدأت بحصار المخيم عبر قطعها للطريق الصحراوي الوحيد الذي يربطه بمناطق سيطرة النظام، والذي يعبر من خلاله عن طريق التهريب إمداد المخيم بالغذاء والأدوية والمستلزمات الأساسية، وحسب مصادر محلية فإن المخابرات العسكرية كانت تفرض على كل شاحنة تدخل المواد الغذائية قرابة مبلغ ثمانية ملايين ليرة سورية بهدف السماح لها بالدخول إلى منطقة الـ 55 كم عبر حاجز جليغم الواقع على طريق دمشق-بغداد.

كما بلغت تكلفة تهريب شخص من المخيم لخارجه لتلقي العلاج أكثر من 1800 دولار أمريكي، فيما قالت مصادر أخرى إن سبب الحصار قد يعود لمحاولة ضغط من قبل النظام على سكان المخيم للخروج منه وإحراج قوات سورية الجديدة المدعومة من قاعدة التنف ومن الولايات المتحدة.

مرت المنطقة بحصارات متفاوتة منذ العام 2018 دفعت قرابة 42 ألف نازح للفرار من المنطقة منذ نهاية العام 2018 بسبب نقص الخدمات الإنسانية وخصوصا الطبية حيث تعيش المنطقة بلا طبيب منذ ذلك الوقت ـ ويقتصر عمل الممرضين والممرضات على الإسعافات الأولية الأمر الذي تسبب بفقدان الكثيرين لحيواتهم بسبب غياب التدخل الإسعافي والجراحي.

القدس العربي