نحتاج إلى الحلول العاقلة وليس العادلة.
كتبت هذه العبارة قبل أكثر من سنة،
وما زلت عند رأيي الذي لن يعجب الكثيرين وهم معذورون، فأرجو عدم الاستعجال في الحكم على كلامي إلى أن تنتهي من قراءته.
ما الفرق بين الحل العادل والحل العاقل في حالتنا اليوم؟
-الحل العاقل: هو الذي يحقق الأهداف في الأمن والاستقرار وضمان تثبيت الدولة ونهضة المجتمع.
-الحل العادل: هو الحل الذي يأخذ فيه الجميع حقهم غير منقوص، ويعوض فيه المتضرر، ويحاسب فيه كل مخطئ.
القيادة اليوم منحازة بشكل واضح إلى الحل العاقل، بل بدأ انحيازها إليه في معركة التحرير من خلال رسائل الطمأنة والعفو، وقد حقق ذلك في تلك المرحلة الهدف الأهم وهو تسريع عملية التحرير وإضعاف مقاومة الخصم وتحقيق النصر بأقل الخسائر من طرفنا.
وما زالت مستمرة في سياسة العفو العام والمحاسبة الضيقة، وأكرر أنني أرى أن هذا هو الصواب لأسباب منها:
– لا يمكن تحقيق العدالة في حالتنا ولو تفرغت لها الدولة بشكل كامل، كما أن ذلك سوف يشل المؤسسات، تخيل أن يحاسب كل جندي في النظام البائد وكل من هاجم الثورة وكل فاسد ….الخ هذا عدل، لكنه غير ممكن.
_ لو أردنا العدالة فسوف نجد مئات آلاف السوريين على الأقل يجب أن يحاكموا، وهذا لو تم العمل عليه لحدث شرخ هائل في المجتمع لا يمكن أن يفضي إلى استقرار.
لكن الأهم من كل كلامي السابق هو:
من مواصفات الحل العاقل أن يكون مرضياً للطرفين، وسياسة العفو مرضية بطبيعتها لمن كان مصطفاً مع النظام السابق ولذلك على القيادة اليوم أن تجعله مرضياً لطرف المتضررين، عليها أن تفكر في ذلك وتعمل عليه ومما يمكن أن تفعله:
_المسارعة في محاسبة رؤوس الإجرام ورموز النظام، وأن يتم ذلك مع إعلام يشفي صدور المستضعفين والمقهورين.
_إقصاء كل الشخصيات المحسوبة بشكل واضح على النظام، حتى لو لم يكونوا من كبار المجرمين، فاستلام أمثال هؤلاء لأي منصب أو حضورهم في أي محفل عام، إهانة للثورة واستخفاف بمشاعر الثوار.
_إعطاء امتيازات للمتضررين، من خلال العمل والتوظيف والترقية والتعويض المالي والاهتمام المعنوي.
وسأضرب مثالاً بسيطاً للمنشور ككل:
تخيل أنني موظف في مؤسسة حكومية، وقام مديري بكتابة تقرير فيّ للمخابرات أدى إلى اعتقالي لسنوات ثم هجرتي من مدينتي لأعيش سنوات غريباً نازحاً في الخيام، ثم بعد أن انتصرت الثورة أعود إلى مؤسستي ليكون المدير ذاته موجوداً وما زال مسؤولاً عني.
الحل العادل يقضي بمحاكمة هذا المدير وتعويضي عن كل ضرر أصابني خلال هذه الفترة مادياً ومعنوياً.
الحل العاقل يقضي بتعويضي وإرضائي وتمييزي في العمل عن مديري، وأن تتم ترقيتي وربما يتم فصله.