إنها لمأساة أن يفتكوا منك الكلمات الجميلة ليحولوها بقدر عجيب من الخبث لعكس ما تعني في عهد بورقيبة كنا نضحك ضحكة صفراء من كلمة فرحة الحياة والتقدم وفي عهد بن علي من كلمتي الديمقراطية وحقوق الانسان
اليوم ما يثير فيّ موجة من السخرية كلمة الشعب في فم المنقلب وهي تعني انا …وكلمة التوافق عند كل الطبقة السياسية وتعني الصفقات… وكلمة الحوار وتعني اجتماع اهل الحل والعقد في الغرف المظلمة لمناقشة تفاصيل الصفقات التي تم الاتفاق عليها سلفا.

في قضية الحال اليوم هناك ثلاث أنواع من هذا الحوار الذي صدعوا به رؤوسنا
1- الحوار المغشوش حسب المنقلب وعرفه أكثر من مرة بأنه يستثني منه ” الخونة’‘.
هذا الرجل لم يفهم أن ما يدعو إليه من لقاء مع الأصدقاء والأتباع يسمى ” لمة” او ” قعدة ‘‘، أما الحوار في السياسة فهو النقاش مع الخصوم وخاصة مع الأعداء.

2- الحوار السريالي: إنه ما يدعو اليه البطن الرخو من الحركة الديمقراطية أي اجتماع شكلي لبعض الأطراف المنتقاة تحت اشراف المنقلب (ايه والله) للبحث عن مخرج ينقذ الانقلاب من ورطته وربما يعيد عقارب الساعة إلى 24 جويلية ليتواصل وضع هشّ متفجّر إلى انتخابات 2024

3- الحوار المطلوب وهو اجتماع الفرقاء السياسيين الحقيقين أي الشرعية الممثلة في البرلمان والأحزاب السياسية الكبرى والاتحاد وممثلو المؤسستين العسكرية والأمنية لوضع حد للانقلاب ينقذ البلاد من الغرق المبرمج ان تواصل الوضع.

عندما اجتمع مندلا ودولاكارك في التسعينات لم يكن موضوع الحوار تلطيف الابارتايد والتعايش معه وانما شروط التخلص منه.

وعندما تلاقى الجزائريون والفرنسيون في ايفيان لم يكن الحوار حول تأبيد وتلطيف الاستعمار وانما حول شروط نهايته.

اليوم كلنا نعرف أن البلاد لن تعود للاستقرار النفسي والسياسي الضروري لعودة الاقتصاد وإلا فإنه الفقر للجميع ومن ثمّ فإن القضية ليست تلطيف الانقلاب المتسبب في أخطر ازمة مرت بها البلاد مند الاستقلال وإنما التخلص منه. هنا يمكن للحوار الحقيقي ان يلعب دوره أي من الممكن أن تضغط المؤسسة العسكرية والأمنية على المنقلب لكي يستقيل طوعيا مما سيخلصه من المحاكمة وان رفض فلا خيار غير عزله ومحاكمته ويمكن التفاهم على مرحلة انتقالية سريعة تحفظ الاستقرار وتفتح من جديد باب الأمل للتونسيين.

وفي كل الحالات هناك طرف خارجي يلعب دورا ما ومن العار علينا أن يكون هو المحدد لمصيرنا أيا كانت نواياه.

إنها مسؤولية الشرعية والشارع أن تتضافر الجهود في الأسابيع المقبلة بالتحركات السياسية والشعبية لإسماع كل الأطراف إلى أين يجب أن يسير الحوار وما هي مخرجاته الوحيدة المقبولة.

ولا بد لليل ان ينجلي.