فتح قائد الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء» رائد الصالح النار على الأمم المتحدة بشكل لافت، بعد أن كان انتقد استجابتها الإنسانية لشمال سوريا بعد زلزال كهرمان مرعش، الذي ضرب عشر ولايات تركية وست محافظات سورية.

وقال قائد «الخوذ البيضاء» كما تعرف دولياً، إن الأمم المتحدة لا تريد أن تسمع انتقادات، «تعودت على العمل ببيروقراطية تقتل الناس، هم لا يريدون أن يحاسبهم أحد». ووصف الصالح في لقاء تلفزيوني آليات عمل الأمم المتحدة وطرقها بأنها «بالية» لا تتأقلم مع حجم الكارثة في شمال غرب سوريا. وشرح المأساة «نموت تحت الإنقاض ولا يرسلون الفرق ولا يرسلون المساعدات ويتأخرون عن المساعدات 4 أيام وبعدها يقولون يجب أن تصمتوا كسوريين». واعتبر كلام فريق الأمم المتحدة الذي زار مقر الخوذ البيضاء في سرمدا قرب معبر باب الهوى، بانه «تهديد» للمؤسسات السورية المعارضة. وكشف الصالح أن الفريق الأممي رفض زيارة جنديرس عندما كانوا في عفرين متذرعين «بعدم سماح الإدارة لهم بذلك» كذلك في سرمدا اجتمعوا على بعد 300 متر من مكان الدمار ولم يزوروه. وطالبت «الخوذ البيضاء» بالتحقيق في «سبب تقصير الأمم المتحدة» كما طالبت «بتغيير آلية العمل الإنساني في الأمم المتحدة لأنها تساهم في قتل الناس». كما اتهم الصالح الأمم المتحدة بـ «تسييس المساعدات، لأن أمينها لديه السلطة في فتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية وهو لم يستخدم هذه السلطة لمدة سبعة أيام وانتظر موافقة بشار الأسد».

وكشف الصالح أن فريق استجابة الكوارث الذي أرسلته الأمم المتحدة إلى إدلب وعفرين قد أعرب عن انزعاجه الشديد من الانتقادات التي وجهت له، مشيرا إلى أن الفريق قال: «على المنظمات السورية أن تختار مكانها الصحيح. أي لكي تحصل على التمويل يجب أن تصمت».

وشدد «وكالات الأمم المتحدة أثبتت فشلها الذريع في الاستجابة للكارثة في سوريا». وحول وصول المساعدات إلى مدينة حلب التي يسيطر عليها النظام، عبر عن سعادته بوصول المساعدات لمدينة حلب، سائلاً: «لكن من دمر حلب قبل أن يدمرها الزلزال؟».
وأعلنت رئيسة وكالة التنمية الدولية الأمريكية، السفيرة سامانثا باور، الجمعة، رصد الوكالة مبلغ 5 مليون دولار لصالح منظمة «الخوذ البيضاء» بهدف مساعدة فرق الدفاع المدني السورية على شراء الآليات والوقود وتطوير منظومة الإسعاف وسد احتياجاتهم الأخرى.
في سياق منفصل، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرا قالت فيه إن بشار الأسد يستخدم «دبلوماسية الكارثة» ليعود إلى المسرح العالمي من جديد. وقال كاتب التقرير، أن الزلزال القوي قذف «الديكتاتور السوري إلى دائرة الضوء العالمية ومنحه فرصة للتقدم خطوة إلى المسرح العالمي عبر دبلوماسية الكارثة». ومع زيادة أعداد الضحايا بسبب أقوى زلزال يضرب المنطقة منذ مئة عام «تلقى الأسد المنبوذ بسبب قصفه وتعذيبه شعبه سيلا من رسائل العزاء والتعاطف من دول أخرى». وتدفق المسؤولون البارزون في الأمم المتحدة إلى «مكتبه وعرضوا المساعدة وأخذوا معه الصور. وهبطت الطائرات المحملة بالملابس والمساعدات من دول أخرى، بينها السعودية أيضا التي أرسلت في الماضي المساعدات والمال للمعارضة المسلحة التي كانت تحاول الإطاحة به».

وفي الإطار، عبر كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور جيم ريش عن اشمئزازه من استخدام الأسد «مأساة الزلزال في سوريا فرصةً لإعادة الانضمام إلى المجتمع الدولي».

في حين بقيت المعارضة السورية دون دور جدير بالذكر، فقد عجزت عن المطالبة بفتح الحدود خشية إثارة غضب تركيا، ولم يتمكن الائتلاف الوطني المعارض من تغيير صورته أمام أربعة ملايين من السوريين في مناطق سيطرة المعارضة، فقد فشل في اتخاذ قرار بالسماح بإدخال صهاريج الوقود التي أرسلتها الإدارة الذاتية لشرق سوريا، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بسبب اشتراط الإدارة تعليق اسم الإدارة الذاتية على تلك الصهاريج. فخرجت الإدارة رابحة من تلك الجدولة. الا أن ربحها الحقيقي كان سيصبح أكبر لو أنها فعلا تنازلت قليلا وفكرت بالمدنيين العالقين تحت الأنقاض أو لو عرضت مساعدة الخوذ البيضاء والعمل تحت رايتها وإرسال المعدات الثقيلة لجنديرس وإدلب، والتصرف بمسؤولية إنسانية بعيدا عن تسجيل النقاط السياسية، وانتقد مؤسسات المعارضة الموالية لأنقرة، كان ذلك لو حصل، فإنه من المحتمل أن يخفف من غليان القلوب.

في إطار تدفق المساعدات، دخلت قافلة مساعدات قطرية ثانية بإشراف الهلال الأحمر القطري إلى منطقة عفرين من معبر الحمام، تحتوي على طحين وخيام ومواد إغاثية ومعدات طبية ثقيلة كأجهزة غسيل الكلى وأجهزة غرف العمليات، ومن المفترض أن تتبعها شحنات أخرى. ويعمل الهلال الأحمر القطري على 1000 خيمة كمساكن مؤقتة، ويقوم فريق المهندسين السوريين العاملين في الهلال بمسح عدة مواقع لاختيار أمكنة مناسبة للبدء ببناء 300 وحدة سكنية كدفعة أولى، حسب معلومات «القدس العربي».

من جهة أخرى، أدى الزلزال إلى نزوح 172 ألف شخص في مناطق غرب سوريا، حسب ما أعلن فريق «منسقو استجابة سوريا» من ضمن النازحين 36 ألفا يقطنون في مراكز ايواء ومخيمات في إدلب وريف حلب.

في سياق منفصل، يستمر دخول اللاجئين السوريين، منذ يوم الأربعاء إلى شمال سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا بعد الإعلان عن إجازة تستمر مدة ثلاثة شهور، أتت في محاولة تخفيف الضغط على مراكز الإيواء داخل تركيا، ويفضل الكثير من السوريين الدخول المؤقت إلى سوريا بسبب حجم الدمار الكبير في الولايات التركية، إضافة إلى تجنب تعرضهم للحملات العنصرية التي ظهرت في بعض المناطق، وعدم مقدرة القسم الأكبر منهم على تدبر تكاليف الحياة والتنقل أو تأسيس منازل جديدة. كل تلك الأسباب دفعتهم إلى الدخول للداخل السوري حتى تنجلي الغمامة التي أحدثها الزلزال في تركيا، في انتظار الانتهاء من عمليات انتشال الجثث وترحيل الأنقاض، ومعرفة ماذا سيقدم المجتمع الدولي والدول التي تدعم ملف اللاجئين السوريين في تركيا وسبل تعويضهم.

ورغم اقتصار الإجازات على حاملي بطاقة الحماية الموقتة «كمليك» في الولايات العشر المتضررة، فإن الكثير من السوريين يناشد بفتح الإجازات لحاملي «كمليك» في باقي الولايات التركية، على اعتبار أن آثار الزلزال لا تقتصر على المقيمين في الولايات العشر فقط، فالأسر السورية موزعة بين الولايات والكثيرون يريدون أن يدخلوا إلى سوريا ليلتقوا بأهاليهم الذين لم يتمكنوا سابقا من رؤيتهم بسبب صعوبة الحصول على إذن سفر وتنقل داخل تركيا، إضافة إلى ان الكثير من المقيمين في الولايات الأخرى لديه الكثير من الأقارب والضحايا والجرحى من المتضررين داخل سوريا.

وحذت إدارة معبر باب السلامة وتل أبيض حذو معبر باب الهوى وسمحت للسوريين من حاملي بطاقة «الكمليك» بالدخول إلى سوريا ضمن إجازة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ستة أشهر. ومن الواضح أن كل من يتخلف عن مدة الستة أشهر ستلغى بطاقة حمايته التركية ولن يتمكن من العودة إلى تركيا.

إلى ذلك، ارتفع أعداد الضحايا في تركيا إلى ما يزيد عن 39 ألفا حسب ما أعلنت وزارة الداخلية التركية، مساء الجمعة، ويرجح ارتفاع الرقم خلال الأيام العشرة المقبلة مع استمرار عمليات التجريف، ومن غير الواضح فيما إذا كانت السلطات التركية ستعلن عن الرقم النهائي للضحايا واعتبار كل المفقودين في عداد القتلى أم انها ستتريث حتى الانتهاء من أعمال التجريف والمرجح انها ستستمر وقتا غير قريب.

القدس العربي