الأفق مسدود. هذه خلاصة اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة. لم يرد في بيانها أي ذكر لـ “الحوار” الذي يقترحه المبعوث الرئاسي الفرنسي. أي أنها لا ترفضه ولا تتبنّاه، وأمره متروك للأطراف في لبنان. بعد خسارة فرنسا مبادرة تسويق الخيار الرئاسي لـ “حزب إيران/ حزب الله”، باعتباره حلّاً عملياً وسريعاً يتضمّن أيضاً خياراً لرئاسة الحكومة، ربما كانت في صدد خسارة تسويق خيار “الحزب” مغلّفاً بـ “الحوار”. فرنسا مدركة بلا شك مدى تسلّط إيران و”حزبها” على لبنان، وتعتقد أن احتضانه لاحتوائه هي الطريقة الفضلى للتخفيف منه والسيطرة على شروره. إن لم يكن هذا غباء، فالأكيد أن فيه سذاجة، وكلاهما مُستغرَب. لكن فيه مشروع شراكة لاستدامة دور لفرنسا ولو تحت هيمنة إيران، وفيه أيضاً ضمانات لمصالح نفطية- غازية. هنا يصبح الأمر مفهوماً، من دون أن يكون مقبولاً، والمُستهجَن أن ترضى فرنسا بتجاهل رأي عامٍ لبناني رافض لتكرار تجربة ميشال عون في رئاسة يصادرها “حزب إيران” ويديرها.

غدت عبارة “لا حلّ إلا بموافقة الحزب” كأنها قاعدة علمية، فاصلة وحاسمة، لا يمكن تجنبها، بل يجب حتى تقديسها. لكن ماذا عن قاعدة أخرى جرى اختبارها وظهرت نتائجها جليّة، وهي أن “لا حلّ بالرضوخ لإرادة الحزب”، فهذه وصفةٌ لإفراغ كل دعوات الداخل والخارج من مضمونها، خصوصاً ما يتعلّق منها برفع تهديد السلاح غير الشرعي للمجتمع اللبناني (قبل تهديده/ “ردعه” لإسرائيل)، وما يتعلّق بالإصلاحات الاقتصادية لأن “الحزب” بات يعتبر صندوق النقد الدولي غريماً ومنافساً له على السلطة في لبنان، كذلك ما يتعلّق بالإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون تحديداً في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، إذ أثبت “الحزب” بالقول والفعل عداءه لهذا التحقيق ولأي قاضٍ يحاول إعمال العدالة. فالعدالة وإنفاذ القانون مقلقان لـ “الحزب” إذ يقوّيان المجتمع عليه، مثلما أن الدستور يدعم حالياً موقف رافضي مرشحه الوحيد للرئاسة، ولذلك يُخشى أن يكون تعديل الدستور محور أي “حوار” مُقترح.

يحاول “حزب إيران”، بعدما قاد أزمة الفراغ الرئاسي الى انسداد، أن يستعيد “الابن الضال” العوني الى حظيرته ليخترق به الاستعصاء المسيحي، فهذا يمنحه انفراجاً في مأزقه الداخلي ويعزز موقفه مع الخارج. لكن، احتياطاً، نقل “الحزب” هذه الأزمة الجنوب، ومنه الى الخارج، فأسهل المجازفات والمناورات تبادل التمريرات مع العدو الإسرائيلي طالما أنهما متفقان على عدم الذهاب الى حرب. فحتى الترسيم البرّي للحدود، بعد البحري، ليس أولويةً عند الحزب، لأنه سيعني عندئذ “سلاماً” موثّقاً، وإيران لا تبحث عن “سلام” كهذا. لذا قال الأمين العام لـ “الحزب” إن الهدف ليس الترسيم بل “تحرير” الأرض المحتلة، أي “المقاومة” المستمرّة.

قبل أن يخسر “حزب إيران” ورقة مرشّحه الوحيد يريد أن ينتزع ثمناً، فأيّاً يكن الرئيس أصبحت خريطة الطريق الإيرانية مرسومة أمامه: “شرعنة” السلاح غير الشرعي واضفاء شرعية على ميليشيا “الحزب” كجيش موازٍ أو كـ “حشد شعبي” تموّله الدولة ولا إمرة لها عليه، كما في العراق الذي يعاني من “حشده”. وبعدما حدد بيان “الخماسية” تفضيله لرئيس “يجسّد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول…” لا بدّ أن “الحزب” سيواصل التهديف على قائد الجيش للحؤول دون طرحه كـ “خيار ثالث” قويّ، أما المرشّحون الآخرون فإن “نزاهتهم” لا تكفي لأن ضعفهم تجاه “الحزب” هو المقلق.

النهار العربي