عاد ملف السلاح الكيميائي الذي يملكه النظام السوري إلى أروقة الأمم المتحدة مجددا مع الإحاطة الدورية التي نص عليها القرار 2118 لعام 2013 وقدمها نائب الممثلة السامية لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إديديجي إيبو، وعبر من خلالها عن أسفه لعدم تحقيق تقدم ملموس لتوضيح كل الأمور التي ما زالت عالقة حول الإعلان الأولي والإعلانات اللاحقة.

وجاءت تصريحات إيبو خلال إحاطته الشهرية أمام مجلس الأمن الدولي بخصوص القضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية لدى النظام السوري.

وأبدى أسفه لعدم توفير النظام السوري “المعلومات الفنية الكاملة أو التفسير الذي يمكن الأمانة الفنية من البت في المسألة المرتبطة بتحديد مادة كيميائية في مرافق برزة التابعة لمركز البحوث في تشرين الثاني(نوفمبر) 2018” إضافة إلى أن لجنة خبراء الأمم المتحدة لم تحصل على المعلومات التي طلبتها من دمشق حول “عمليات النقل بدون إذن لأسطوانتين ترتبطان بحادثة أسلحة كيميائية حصلت في دوما في نيسان(أبريل) 2018 تم تدبيرها باعتداء على مرفق إنتاج الأسلحة الكيميائية”.

ووصف جهود الأمانة الفنية بـ”المتعثرة” فيما يخص تنظيم جولة المشاورات المقبلة بين فريق تقييم الإعلان واللجنة الوطنية السورية. ولفت المسؤول الأممي إلى وجود 20 مسألة ما زالت “غير محسومة” ولم يجر البت فيها، في حين وفرت الأمانة الفنية الملفات اللازمة وقدمتها لحكومة النظام السوري منذ عام 2018 إلا أنها “لم تحصل على المعلومات التي طلبتها”.

وزاد إيبو في الإحاطة التي قدمها أمام مجلس الأمن، الخميس، “بسبب هذا الوضع أعلمت الأمانة الفنية للمنظمة سوريا رغبتها بإرسال فريق مصغر ليقوم بأنشطة داخلية محدودة بين 17 و22 من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري”. منوها إلى أن الجهات السورية المسؤولة رحبت بطلب الأمم المتحدة وطلبت الحصول على معلومات بهدف ضمان الترتيبات. وختم تقريره “في المرحلة الحالية لا يمكن اعتبار الإعلان الذي قدمته سوريا كاملا ودقيقا عملا باتفاقية الأسلحة الكيميائية”.

دفعت الإحاطة عددا من الدول إلى الرد، واعتبرت كلمة المتحدثة الرسمية باسم بعثة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، شهد مطر تعكس توجها جديدا لأبو ظبي.

وأشارت مطر إلى أن” إحداث تقدم ملموس في هذا الملف، يتطلب الانخراط في حوار بنّاء” مؤكدة أهمية التواصل والحوار بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وسوريا. داعية الأطراف كافة إلى “العمل بروح قائمة على المبادئ التي أُنشِئت عليها منظمة حظر الأسلحة بطابعها الفني، ومنها التوافق وعدم التسييس”.

وأكدت المتحدثة “رفض وإدانة الإمارات الثابت لاستخدام الأسلحة الكيميائية، تحت أي ظرف من الظروف، من قبل أي كان، وفي أي مكان” معتبرة أن استخدامها يشكل انتهاكاً صارخاً لأحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية والقانون الدولي. ورحبت بالاتفاق على إرسال “فريق مصغر لإجراء أنشطة محدودة في سوريا خلال الشهر الجاري” معبرة عن أملها أن يتم عقد المشاورات الثنائية في أقرب فرصة ممكنة.

وعبرت مطر في ختام كلمتها المكتوبة عن مدى أهمية إحراز تقدم في ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا، وفي الملفات المتعلقة كافة بحل الأزمة السورية.

وفي ردود أعضاء مجلس الأمن، عبر نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي عن امتعاض بلاده من “عقد اجتماع آخر حول الملف الكيميائي في سوريا حيث لا يوجد أي جديد في إحاطة الفريق الأممي”. مؤكدا رفضه مناقشة هذا الموضوع شهريا باعتباره “يقوض سلطة المجلس لعدم تمكن المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من تقدم تقارير لنا”.

في المقابل، رد نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ريتشارد مايلز على زميله الروسي: “نقدر جهود مكتب شؤون نزع الأسلحة لتوفير معلومات ذات مصداقية حول التقدم الذي أحرزته أو لم تحرزه سوريا لإزالة أسلحتها الكيميائية بشكل كامل” وأضاف “عبّر الزميل الروسي عن أسفه لكوننا نبدأ نقاشنا هذه السنة بهذا الموضوع. ولكن وعلى العكس تماما، نقول إننا يجب أن نبدأ هذا العام بمناقشة كيف قام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية بشكل متكرر ولم يقم بالتزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية وقرار مجلس الأمن 2118”.

إلى ذلك، رحب بكلام نائب الممثلة السامية لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إديديجي إيبو، المتعلقة بنية فريق تقييم الإعلان التوجه إلى سوريا قريبا والسماح له باستئناف عمله بشكل فعال. واتهم الدبلوماسي الأمريكي النظام السوري بانه “لم يوفر تفسيرات حول مواد كيميائية في حادثة دوما ووثائق أخرى حول عدد من الأمور تسلط الضوء على برنامج سوريا للأسلحة الكيميائية”.

وفي سياق متصل، علق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني على بيان المتحدثة باسم بعثة دولة الإمارات ووصفه بانه لغة أقرب لروسيا وحلفاء النظام منها من باقي أعضاء مجلس الأمن.

وأعتبر عبد الغني باتصال مع “القدس العربي” أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية “أصبحت أكثر حدة تجاه النظام الذي لم يتعاون بنحو عشرين طلبا ما زالت بانتظاره منذ 2018”.

واتهم النظام بخداع وتضليل المنظمة عدة مرات، حيث أعلنت في وقت سابق في حزيران/يونيو 2014 أن النظام سلم أسلحته ثم عادت واتهمت النظام عامي 2016 و2017 وحققت اللجنة في هجمات سراقب وخان شيخون واللطامنة بعد إعلان 2014.

ويتزامن موقف دولة الإمارات العربية المتحدة مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق ولقائه بالأسد الأربعاء، بهدف دعم النظام السوري وتشجيعه في التوجه إلى تطبيع علاقته مع تركيا. وهي الزيارة الثانية له بعد الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021.

وتلعب أبو ظبي دورا هاما في تقريب وجهات النظر حيث افتتحت خطا ساخنا مع أنقرة على مستوى وزراء الخارجية، من المرجح أن يجري في دولة الإمارات حسب ما يتسرب في الأوساط التركية.

ويعزز رغبة أبو ظبي في لعب دور الوسيط ردود الفعل الأمريكية والغربية الباردة التي تصل حد عدم الاكتراث. حيث اكتفت وزارة الخارجية الأمريكية، بقولها إن الإدارة لا تدعم الدول “لتحسين علاقاتها أو التعبير عن دعمها لإعادة تأهيل الدكتاتور بشار الأسد”.

وحث المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس، الثلاثاء، “الدول على النظر بعناية في سجل حقوق الإنسان الفظيع لنظام الأسد على مدى 12 عاما الماضية، حيث يواصل ارتكاب الفظائع ضد الشعب السوري ومنع وصول المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة”.

من جهة أخرى، حذرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي دولة الإمارات من الانفتاح على نظام الأسد، مشيرة في تغريدة على منصة تويتر، أن الانفتاح على نظام الأسد ينطوي على مخاطر كبيرة للإمارات وسيجعلها عرضة لعقوبات قيصر.

من الواضح أن جهودا إقليمية تشجع على تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة وكسر العزلة الدولية عن النظام السوري، إلا أن الجهود ستبقى تصطدم بالتشريعات الأمريكية وخصوصا قانوني قيصر والمخدرات الذي يعتبر الأسد رئيسا لأكبر إمبراطورية مخدرات في التاريخ. ومن غير المستبعد أن تشهد العلاقات الأمريكية التركية تراجعا، خصوصا مع بدء التحقيقات حول أنشطة عدة بنوك تركية وكانت واشنطن فرضت عدة عقوبات على أنقرة بسبب هجماتها العسكرية في سوريا.

القدس العربي