في موازاة حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد أعمال القمة العربية في جدة، أمس الجمعة، كانت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري، تشهد تظاهرات تنديداً بحضور الأسد القمة.

وحملت التظاهرات شعار “سورية لا يمثلها الأسد المجرم”، مع ترديد شعارات تذكر بالجرائم التي ارتكبها الأسد بحق أهلهم وذويهم. كما طالب المتظاهرون في ريفي حلب وإدلب، أي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بفتح الجبهات واتخاذ المبادرة إلى السلاح.

وبالتزامن مع تظاهرات ريفي حلب وإدلب، شهدت بعض العواصم الأوروبية وقفات احتجاجية تحت العنوان نفسه. وفي هولندا وبريطانيا وفرنسا والنمسا والدنمارك، خرج لاجئون ونشطاء سوريون يقيمون هناك في تحركات احتجاجية.

وفي تظاهرة عفرين بريف حلب، كان المحامي محمد حاج عبدو في مقدمة المتظاهرين. وعبّر لـ”العربي الجديد” عن أسفه من حضور رئيس النظام القمة العربية.

لن ننسى دم شهدائنا
من جهته، قال سعد جمعة، وهو مهجر قسراً إلى مدينة عفرين، إن السوريين عندما قرروا الخروج في حراكهم ضد النظام وبشار الأسد لم يستشيروا الجامعة العربية، ولا أي كيان في العالم، بل ذلك كان نابعاً من الحاجة لإزاحة نظام أمعن في التوغل على السوريين. وأضاف جمعة، لـ”العربي الجديد”: “لن ننسى دم شهدائنا ومآسي المهجرين وبيوتنا التي دمرت وقرانا التي خرجنا منها، وسيكون النصر حليفنا مهما حصل”.

وكانت فعاليات ثورية وهيئات المجتمع المدني وناشطون في سورية ودول المهجر، قد أصدرت، أمس الأول، بيان استنكار شديد اللهجة، تحت مسمى “سورية لا يمثلها الأسد المجرم”، وذلك قبل يوم من انعقاد القمة.

وأكد البيان أن “الأسباب التي دعت لتعليق عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية، وقطع العلاقات معه قبل 12 عاماً، ما زالت قائمة ولم تتغير، بل زادت وتضاعفت لتأتي هذه الخطوة بمثابة هدر للدماء والتضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري في ثورته لنيل حريته وكرامته والتخلص من نظام القمع والاستبداد الأسدي، ولتكون مكافأة لنظام الأسد على جرائمه الوحشية بحق السوريين، وصك إعفاء له من أي محاسبة، الأمر الذي سيشكل حافزاً له لارتكاب المزيد من الجرائم، وسيتحمل مسؤولية هذا الأمر أمام التاريخ وأمام السوريين كل الأطراف التي ستمكنه من ذلك بتطبيعها ودعمها له”.

وأشار البيان إلى أن “سياسة التطبيع والإعفاء من المساءلة لن تدفع نظام الأسد إلى تعديل سلوكه الإجرامي، بل ستمنحه رسالة واضحة بأن كل ما يفعله من جرائم القتل والإبادة مباح، وتشجعه على التمادي فيها، لشعوره بضمان الإفلات من المحاسبة”.

مكافأة للنظام على جرائمه
من جهته، اعتبر الائتلاف الوطني لقوى المعارض، في بيان صدر بالتزامن مع انعقاد القمة، أن استقبال الأسد لحضور القمة العربية مكافأة له على ما اقترفه من جرائم بحق الشعب، وتجاوزاً لتضحيات السوريين لأكثر من 12 عاماً، وتناسياً للضحايا الذين ينتظرون تحقيق العدالة، وتخلياً عن الشعب السوري الثائر المطالب بالحرية.

وأكد الائتلاف أن سورية “لا يمثلها الأسد المجرم، وإن وجود النظام المجرم في مقعد سورية في الجامعة العربية يعني أن إيران تحضر القمة عبر مندوبها وحامل أجندتها، وأحد أدواتها في تنفيذ مشروعها التوسعي الحاقد في الدول العربية”.

وأشار إلى أن “العذر بإعطاء فرصة لنظام الأسد هو هدر للوقت ومماطلة لن تفضي إلا إلى مزيد من القتل والاعتقال والمأساة، لأن لنظام الأسد سجل واسع بالخداع والكذب وعرقلة أي عملية سياسية ذات صلة بسورية”.

وأوضح أن “النظام ليس إلا دمية بيد روسيا ونظام الملالي يسيّرانه وفق مصالحهما ومواقفهما وإرادتهما مقابل ما قدموه له من قتل للسوريين ودعم لآلته العسكرية”.

ونوه الائتلاف أن “الشعب السوري لن يتخلى عن طموحاته في الحرية والاستقلال ولو بقي وحيداً، وسيبقى مستمراً في ثورته، ومنتفضاً بوجه الأسد حتى انتزاع الحرية المنتظرة وتحقيق العدالة وبناء سورية الديمقراطية”، مبيناً أنه “لا سبيل لذلك سوى بتفعيل المحاسبة من قبل المجتمع الدولي وتحقيق الانتقال السياسي، والعمل بشكل فعلي لتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسورية، لا سيما القرار 2254”.

أسى عميق لتعويم القاتل
من جهته، رأى الكاتب والسياسي السوري باسل معراوي، المقيم في الشمال السوري، أن “جمهور الثورة في الداخل وفي بلاد المهاجر والمنافي يشعر بأسى عميق وخذلان كبير لتعويم قاتلهم وإضفاء الشرعية عليه بمعنى نسيانهم لكل مجازره الوحشية بحق الشعب السوري”.

وأضاف، لـ”العربي الجديد”: “لا يملك الأشقاء العرب أدواتاً قوية بالملف السوري، إذ إنهم بعيدون عنه من مدة طويلة والقوى الفاعلة على الأرض هي التي تملك جيوشاً وأدوات ضغط”.

وأشار معراوي إلى أن “العرب يعلمون أن الملف السوري مدوّل منذ بيان جنيف 2012، وتوجد عدة قرارات دولية ناظمة لآلية الحل، ولم يستطع المسار الموازي لمسار جنيف، والذي يضم الثلاثي إيران وتركيا وروسيا، والمسمى بمسار أستانة، من تحقيق أي خرق سياسي حقيقي، وبالتالي ما زالت القضية السورية بعيدة عن سكة الحل”.

التحرك العربي محصور بالمجال الأمني والإنساني
ولفت إلى أن “ما يشغل بال العرب أن ينالوا من النظام السوري قضيتين رئيسيتين، وهما وقف تصدير الكبتاغون، وإجراءات شكلية بملف اللاجئين”. وأضاف: “يُدرك العرب أن هامش تحركهم محصور بالمجال الأمني والإنساني، ولا قدرة لهم على الخوض بالملف السياسي المعقد”.

وتابع: “لن يقدّم الأسد أي شيء مما يرغبون به، لأنه يطمح لدفع العرب إلى خرق عقوبات قيصر والاصطدام بالجدار الأميركي وتمييع قضية الحل السياسي، لأنه قبل الذهاب لجامعة العرب على أساس أنه المنتصر”.

وتوقع معراوي أن “يتراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي في مناطق سيطرة النظام، وقد لمسنا تراجعاً لليرة السورية أمام الدولار في خضم الاندفاعة العربية التركية نحوه، لأن من طبيعة نظام الأسد، منذ تأسيسه قبل 50 عاماً، عدم الالتفات لمصلحة الشعب والتكيف مع العقوبات والمراهنة على الوقت في أن تكلّ وتملّ الدول من مواقفها اتجاهه، فتعمل على تغيير سياستها نحوه”.

ولفت إلى أن “ما يريح السكان في الشمال السوري هو تعثر قطار التطبيع التركي مع الأسد قبيل إقلاعه، نظراً للكمّ الهائل من الملفات الشائكة بينهما، ولأن انتهاء الانتخابات التركية سيفقد الحاجة أو الحماسة للتطبيع معه من كلا الفريقين، الحكومة والمعارضة، بغض النظر عمن سيربح معركة الرئاسة المقبلة”.

العربي الجديد