بعد عام ونصف من الصراع في أوكرانيا، تبدو الإمارات الأكثر استفادة من هذه الحرب، مما يعطي جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الحربية دفعة دعم في نفس الوقت الذي تزدهر هذه الدولة الخليجية فيه جراء هذا الصراع.
البنوك هنا تسعى لاصطياد المواهب من موسكو لإدارة تدفق الأموال الروسية كما ينقل تجار دبي النفط والذهب الروسي أكثر من أي وقت مضى ويغذي المشترون الروس طفرة العقارات في هذه المدينة، ويتعاملون نقدًا في الغالب.
أزعج الدفء في العلاقات بين ابوظبي وموسكو الولايات المتحدة التي تعد الشريك الأمني الأقرب لدولة الإمارات، لكن الأموال الروسية أصبحت مهمة للغاية للاقتصاد الإماراتي بحيث اصبح من المتعذر رفضها.
يقول ستيفن زونس، الأستاذ المتخصص في سياسات الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو “لا يملكون اي مخاوف أخلاقية جدية بشأن استبداد بوتين أو فساده أو انتهاكاته للمعايير القانونية الدولية، وبالتالي هم على استعداد تام للاستفادة من الفرص التي تتيحها العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على موسكو، في تعزيز علاقاتهم الاقتصادية مع روسيا”.
أدانت الإمارات غزو أوكرانيا في الأمم المتحدة مرات عدة بما في ذلك هذا العام، لكنها من بين عدد كبير من الدول التي تعلن بوضوح عدم فرض الكثير من العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على شركات ونخب موسكو، في المقابل أثرت العقوبات على الاقتصاد الروسي، وتقوم الإمارات بمساعدة الروس لإخراج أموالهم وتصدير بضائعهم إلى الأسواق العالمية أو مجرد الفرار من هناك.
يمكن للولايات المتحدة أن تقرر فرض ما يسمى بالعقوبات الثانوية، لتحد بذلك من قدرة الإمارات على ممارسة الأعمال التجارية مع الولايات المتحدة أو بالدولار مع روسيا، لكن واشنطن نادراً ما تفعل ذلك.
رداً على اسئلة من وول ستريت جورنال، قال مسؤول إماراتي إن بلاده وضعت عملية مراجعة قوية للتعامل مع الأشخاص والشركات المدرجة على لائحة العقوبات الغربية وهي على اتصال وثيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن تداعيات صراع أوكرانيا على الاقتصاد العالمي، وقال المسؤول ايضا إن البنوك الإماراتية تراقب الالتزام بالعقوبات المفروضة على روسيا لمنع انتهاكات القانون الدولي.
وقال المسؤول: “أدى المناخ العالمي الحالي إلى تدفقات مالية واستثمارية إلى الإمارات بسبب سمعتها كمركز استثماري عالمي مستقر” واضاف “سنواصل تحمل هذه المسؤوليات على محمل الجد، لا سيما بالنظر إلى المشهد الجيوسياسي الحالي”.
انتقل عشرات الآلاف من الروس إلى هنا في العام الماضي، مما حول المجتمع الناطق بالروسية إلى واحد من أكثر المجتمعات وضوحًا في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي تسعة ملايين نسمة ومعظم الروس الذين استقروا هنا ليسوا من الذين فرضت عليهم العقوبات الغربية.
يمكن للروس تناول البيتزا المفضلة لديهم، وترديد الأغاني في حانات الكاراوكي الروسية، وإرسال أطفالهم إلى مدارس ناطقة باللغة الروسية، كما يقوم مجموعة من التجار بتصدير الإلكترونيات والسيارات وغيرها من السلع الفاخرة الغربية والتي لا يمكن الوصول إليها مباشرة، إلى روسيا.
كما تسبب حظر الولايات المتحدة وأوروبا النفط الروسي إلى اعادة توجيه أكبر لصادرات موسكو النفطية إلى الإمارات، التي تشتريه بأسعار مخفضة وتقوم اما باعادة بيعه أو تكريره إلى منتجات تُباع بأسعار السوق – وهي تجارة لا تتعارض بشكل عام مع العقوبات الغربية وقد حول ذلك مركز ثقل صناعة تجارة النفط من جنيف إلى دبي.
كما تضاعفت واردات الإمارات من النفط الخام الروسي عام 2022 إلى 60 مليون برميل – وهو رقم قياسي – وفقًا لمزود بيانات السلع كبلر.
يجتمع التجار في الحانة الأيرلندية ماكجيتيجان لتبادل الإشاعات أو ينظمون وجبات غداء مرحة في المطعم الفرنسي كوكليه، وكلاهما يقعان بالقرب من مركز دبي للسلع المتعددة، وهي منطقة من المدينة تم تسجيل شركاتهم فيها، كما قال مات ستانلي، وهو وسيط سابق يعمل الآن في دبي لصالح كبلر.
وقال ستانلي “يذهب السيرك إلى حيث السيولة”، مضيفًا “يمكنك ممارسة الأعمال التجارية هنا، وهذا ما يفيد دبي”.
كما تدفقت العملات الأجنبية إلى الإمارات بعد الغزو الروسي، مرتفعة بنحو 20٪ كل شهر منذ مايو 2022 مقارنة بالعام السابق، وفقًا لكابيتال إيكونومكس في لندن ويقول جيمس سوانستون، الاقتصادي في كابيتال إيكونومكس، عن تدفق العملات الأجنبية إلى الإمارات ان “التدفق قوي للغاية منذ مارس الماضي”.
ولا تقدم الأرقام تفاصيل تدفقات رأس المال الوافدة من الروس، لكن التوقيت، كما قال سوانستون، “ليس مجرد مصادفة”.
وجدت النخبة الروسية وهي مرحب بها في دبي فقد احتفل إيغور سيتشين، صديق بوتين، برأس السنة الميلادية في نخلة الجميرا، وهي جزيرة اصطناعية قبالة دبي، كما قال أشخاص قريبون من الحكومتين الإماراتية والأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة ومعظم أوروبا قد فرضت عقوبات على سيتشين لكونه عضوًا في دائرة بوتين الداخلية وحظرت عليه السفر إلى البلدان الغربية ولكن لا يوجد ما يمنعه من زيارة الإمارات.
يدير سيتشين شركة روس نفط الحكومية، وكان في دبي في رحلة عائلية بينما كان يدقق في الشركات التي تستخدمها روس نفط لاعادة تصدير النفط الروسي إلى الصين والهند أو تركيا، بحسب المصادر.
كما نقلت مجموعة من الشركات الناشئة الغير معروفة جميع موظفيها إلى الإمارات للعمل على تداول نفط روس نفط، كما قال متخصصون في الصناعة.
تجارة النفط الروسي نفسها ليست خاضعة لعقوبات، على الرغم من وجوب ان يتأكد المتعاملون فيها من عدم وصول المنتج إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف.
ردًا على أسئلة الجورنال بشأن رحلة سيتشين إلى دبي وصادرات الشركة، قالت شركة روس نفط إن الاستفسار لم “يحتوِ على أي معلومات واقعية على الإطلاق” ولم يكن هناك قدرة على الوصول إلى سيتشين.
كما يمتلك رمضان قديروف، وهو زعيم جمهورية الشيشان الروسية ومؤيد قوي لبوتين، عقارات على نخلة جميرا تم شراؤها قبل الحرب، كما قالت وزارة الخزانة الأمريكية في وثائق تفرض عقوبات عليه بسبب القتل الذي ارتكبته قواته في أوكرانيا وقد نشر ابن قديروف علي البالغ من العمر 15 عامًا صورًا لنفسه على إنستغرام، وهو يرتدي سروالًا قصيرًا وقميصًا بدون أكمام ويتدرب على الفنون القتالية في مركز لياقة بدنية في دبي منذ بداية النزاع، ولم يرد علي ورمضان قديروف على طلبات التعليق.
يحاول الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان البقاء صديقًا لكل من أوكرانيا وروسيا منذ ان بدأ غزو موسكو، وقد حذرت واشنطن الإماراتيين بشأن مساعدة موسكو على التهرب من العقوبات، لكنها ترى أيضًا فائدة في أن يكون لديها حليف له رؤية بشأن التجارة الروسية.
وقال مسؤولون ومستشارون أمريكيون سرا إنهم لن يمنعوا تجارة النفط الروسية التي تمر عبر الإمارات طالما هناك احترام لسقف السعر الذي فرضته مجموعة الدول السبع الغنية والذي يحد من الإيرادات التي يتلقاها الكرملين.
وقد حظرت الولايات المتحدة وأوروبا واردات الذهب الروسي، لكنها لا تنطبق على الشركات في الإمارات طالما أنها لا تبيع إلى دول تخضع لعقوبات، وقد حذرت الولايات المتحدة الإمارات من أي تسهيل للعمليات العسكرية الروسية أو عمليات المرتزقة أو أي انتهاكات صريحة لبرنامج العقوبات الخاص بها، وفقًا لمسؤولين ومستشارين أمريكيين.
في يونيو، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على كيان تجاري إماراتي صغير اشترى معادن من فرقة فاغنر المرتزقة الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما فرضت واشنطن عقوبات على شركة طيران مملوكة لروسيا مقرها في إمارة الشارقة – نقلت مرتزقة فاغنر ومعداتها في أفريقيا.
تاريخيا، تعاملت الإمارات مع حالة عدم اليقين جيوسياسيا كفرصة فقد فاض رأس المال خلال الربيع العربي، عندما بدت الإمارات كملاذ آمن بينما كان باقي الشرق الأوسط في حالة اضطراب، وخلال جائحة كورونا، ظهرت أكبر مدينة في البلاد، دبي، كمدينة مزدهرة بفضل سياسة الأبواب المفتوحة وسط حملة تطعيم هجومية ضد الوباء.
الآن، تندمج الثروة الروسية في الإمارات بشكل أكثر دوامًا مما كانت عليه في الأشهر الأولى بعد بدء الحرب، عندما ظهرت يخوت وطائرات الأوليجاركيين هنا بحثًا عن ملجأ من العقوبات.
كانت دبي منذ عقود مركزًا للذهب، وهي الآن تتداول الذهب الروسي بكميات أكبر، فقد استوردت الإمارات ما قيمته 4 مليارات دولار من الذهب الروسي بين 24 فبراير 2022 و3 مارس العام الحالي، مقابل 61 مليون دولار خلال عام 2021، وفقًا لبيانات الجمارك التي جمعها مجمّع البيانات التجارية إمبورت جينيوس.
كان أحد أقسام مجموعة طيران الإمارات وشركة النقل التابعة لحكومة دبي أحد الشاحنين المنتظمين للذهب من روسيا العام الماضي، وفقًا للبيانات وقال المتحدث باسم طيران الإمارات إن الشركة تلتزم بالقوانين المعمول بها في البلدان التي تعمل فيها وهي لم تعد تقدم خدمات الخدمات اللوجستية إلى أو من روسيا بسبب “التطورات التنظيمية الأخيرة” دون توضيح أكثر.
توجه الروس لفت انتباه البنوك ايضا، فقد قام بنك الإمارات دبي الوطني، البنك الحكومي الرئيسي في دبي، بجلب مصرفيين من المؤسسات المالية الروسية لإنشاء وحدة مخصصة لإدارة أموال الروس الأثرياء، وفقًا لمعلومات من مصادر مطلعة وملفات على لينكدإن.
وقالت هذه المصادر إن بنك أبوظبي الأول، وهو أحد أكبر البنوك في دولة الإمارات، سيطلق أيضًا قسمًا متخصصًا في الروس الأثرياء ولم يرد بنك الإمارات دبي الوطني وبنك أبوظبي الأول على طلبات التعليق.
البنوك المحلية بدورها فتحت آلاف الحسابات للروس، وقد صرح مسؤولو الإمارات بأن البنوك المحلية تتجنب الأفراد المفروض عليهم عقوبات من أجل الحفاظ على العلاقات مع البنوك الأمريكية.
لقد دفع النقد الروسي إلى حصول زيادة في اسعار العقارات في دبي ففي الربع الثاني من عام 2023، أصبح الروس ثالث أكبر مشتري للعقارات في الإمارة، مقارنة بالمركز التاسع في عام 2021، وفقًا لبيانات من وكالة العقارات بيترهومس.
خلال الربيع الماضي، تم شراء فيلات وشقق مرتبطة بمشروع كازينو في إمارة رأس الخيمة بشكل كبير من قبل الروس، وفقًا لمحترفين في مجال العقارات وقد بيعت الفيلات، التي تمتلكها شركة تطوير مرتبطة بحكومة دبي، مقابل 5.5 مليون دولار، حيث دفع الروس 20% مقدمًا نقدًا.
يعتبر الروس دبي “مركزًا آمنًا حيث لا أحد يحاول طردهم أو إعاقتهم”، وفقًا لما قالته ماريا غالابوف، مديرة مبيعات في شركة تطوير أخرى تُدعى صوبحة رياليتي.
من بين هولاء انتقل ماكس ميرشيف من روسيا في العام الماضي لإنشاء شركته لتطوير برمجيات التكنولوجيا الحيوية في دبي، على أمل بيع منتجاته في الأسواق الغربية وقد جلب زوجته وابنه الصغير، ويشارك الآن بانتظام في لعبة الكرة الطائرة على الشاطئ مع أصدقائه وقال: “نمى المجتمع الروسي وأصبح واحدًا من أكبر المجتمعات هنا”.
Be the first to write a comment.